باتر محمد علي وردم /مدونة :مرصد الأردن : في بلد يحكمه القانون وينظم علاقات المجتمع، يبقى للقضاء دور أساسي في فصل المنازعات والخلافات. في القضايا الخاصة بالإعلام والتعبير عن الرأي فإن اللجوء للقضاء حق لكل متضرر وهو الإجراء الحضاري مقارنة بالاعتداء والضرب الجسدي الذي يمارس أحيانا ضد أصحاب الرأي. هذا المبدأ يحتمل الكثير من الإستحقاقات والتي أهمها أن يتم تطبيقه بشكل منصف مع المدعي عليهم من أصحاب الرأي ولا يتم التعامل معهك كمجرمين خطرين أو من مرتكبي الجرائم الكبرى. أن صاحب الرأي لا يملك إلا قلمه ولسانه ولا يشكل تهديدا أمنيا يستحق معه أن يتعرض إلى معاملة مثل معاملة المجرمين العتاة.
ناضل الصحافيون في الأردن طويلا ضد قرارات الإيقاف قبل المحاكمة، وتمكنوا منذ العام 2003 من الضغط تجاه إصدار قانون للمطبوعات والنشر يحدد محكمة البداية كجهة محختصة للنظر في قضايا الإعلام والتعبير عن الرأي وينظم هذه العملية بما يكفل الحقوق الأساسية للمدعي عليهم، وهم من الصحافيين والمثقفين ويتعامل معهم بطريقة تميزهم عن المجرمين الخطرين. وفي العام 2007 صدر قانون معدل لقانون المطبوعات والنشر رقم 27 لسنة والذي نص على ان المحكمة المختصة بالنظر بجرائم المطبوعات والنشر هي محكمة البداية وليس محكمة أمن الدولة. ولكن المادة 3 من قانون محكمة أمن الدولة لا زالت تجيز لها النظر في بعض قضايا المطبوعات مما يساهم في حدوث حالة إرباك تشريعي والتعامل مع قضايا النشر والتعببر في مسارين منفصلين وأحيانا حسب كل حالة على حدة.
من أجل أن يأخذ القضاء دوره في قضايا التعبير عن الرأي في بلد مثل الأردن لا بد من إلغاء المادة 150 من قانون العقوبات التي تجرّ المدعي عليه إلى محكمة أمن الدولة وتجعله معرضا للإيقاف على ذمة التحقيق لأيام طويلة، وهذا يتناسب تماما مع كافة تصريحات جلالة الملك حول عدم حبس الصحافيين وضرورة أن يكون القضاء العادل والنزيه هو الحكم في قضايا المطبوعات والتعبير عن الرأي.
هناك دور مهم لمحكمة أمن الدولة في القضايا التي تؤثر مباشرة على الأمن الوطني مثل الإرهاب والجرائم الاقتصادية وحتى الفساد أيضا والذي يسئ إلى الدولة بشكل كبير، ولكن من حق كافة النشطاء في مجالات حقوق الإنسان والإعلام والحريات العامة المطالبة بفضل اختصاص هذه المحكمة عن قضايا التعبير عن الرأي سواء من خلال المطبوعات أو كافة وسائل النشر الأخرى.
حرية التعبير المسؤولة هي عنصر أساسي من الإصلاح السياسي في الأردن، وإذا كانت القضايا السياسية الحساسة قد تثير بعض الآراء الإشكالية فإن هذا إنعاكس طبيعي لمناخ الحرية المطلوب وفي حال تم التجاوز وشعر البعض بأن هناك إعتداء على حقوقهم وخصوصياتهم فإن القضاء هو مكان الفصل، ولكن هذا يتطلب تحديث الإجراءات والممارسات والتي تجعل المحاكم المدنية هي الأساس في التعامل القضائي مع قضايا حريات التعبير وذلك تماشيا مع قانون المطبوعات والنشر وكذلك مع التوجيهات الملكية الواضحة برفع حدود حرية الإعلام وتنظيمها بما يكفل منع حبس الصحافيين.
ـــــــــــــــ
لمطالعة النص الأصلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق